المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مرض عُضال


mesho
03-24-2010, 01:57 PM
مرض عضـــال





فجعت في من تركت لها قلبي تلهو به وتعبث كيف تشاء .. لم تكن سوى غلطتي أنا .. أنا وحدي .. فأنا الذي سمحت لطيفها أن يراودني .. ويلاحقني .. ويقض مضجعي .. سمحت لها أن تملك علىَّ خيالي ، وتشغل بالي .. كنت أمضي الليل ساهرا .. أرسم أحلاما ورؤى .. أبني قصورا في الهواء .. أتخيلها تبادلني مشاعر الحب الجياش الذي كنت أكنه لها .. على أي حال .. لقد انتهى كل شيء .. برئت من هواها .. عاد الصفاء إلى نفسي ، وغمرتني السعادة والهناء بعد طول معاناة .. أنا الآن على استعداد لتلقي التهنئة بالشفاء .. فقد برئت وزال سقمي .. أنا أعتبر الحب مرض عضال إذا كان من طرف واحد .. فالحب طائر ذو جناحين .. إذا فقد أحدهما سيعجز عن الطيران .. وربما يموت كمدا وغما وقنوطا .. الحقيقة .. لا أريد طرق هذا الموضوع مرة أخرى .. بعد أن ولى وانتهى .. خاصة وهو يجلب معه الألم والحزن .. ولن أبالغ إذا قلت أن هذا الموضوع لم يعد الآن يؤلمني ثمة ألم .. وأنا لم أخض فيه الآن إلا لرغبتي في البوح .. والتخلص من ثقله الذي كان يرهق كاهلي .. فقد كان برمته غامضا .. صعُب علىّ إدراك أبعاده وألغازه .. كنت أدور في دوامات غامضة ، مبهمة .. كنت أشعر بقلبي يعلو داخلي وبين أحشائي .. حتى يكاد يصل إلى رأسي .. كي يحلق بي إلى المجهول .. لا أملك إلا رفع عيناي إلى السماء .. لأبحث عن شيء لا أدري كنهه .. فلا أجد شيئا علي الإطلاق .. ثم لا ألبث أن أطرد عني ذلك الخاطر الذي أصاب قلبي دون أن أعلم كنهه كان يملأني شعور بأنها بعض أحاسيس غريبة ، مبهمة .. تراود الإنسان في وقت ما .. ثم لا تلبث أن تزول .. كنت أركن دائما لهذا الخاطر وترتاح نفسي إليه .. ولكن كثيرا ما كانت هذه الأفكار تعاودني .. تتشابك الصور المتناقضة في خيالي .. تحاصرني في أسوارها .. تكبلني بأصفادها .. راودتني فكرة فظيعة .. بأنني ربما في طريقي إلى الجنون .. ولكن سرعان ما طردتها عن خاطري بقوة وإصرار .. خشية أن يكشف أحدا أفكاري ويقرأها .. أو تفضحها ملامحي .. إنني أعترف بأني صرت نهبا للهواجس .. والأفكار تشبه إلى حد كبير أفكار المجاذيب والمعتوهين ، وذوي العاهات العقلية .. وإلا لماذا أفكر في هذه الأمور التي يأباها العقل السليم ، ويصعب عليه استيعابها وقبولها .. كنت أشعر بملامح غير واضحة ، وغير صريحة .. وأدور في دوامة هائلة .. أرى أمواجا متلاطمة ثائرة .. تعلو ، وتعلو .. إلى أن تصل إلى عنان السماء .. تزداد هياجا وقوة .. يقترب منها القمر في خوف ووجل .. تبتلعه الأمواج ..رويدا .. رويدا .. تسكن ثائرتها وتهدأ .. يخبو هياجها .. ثم يعود البحر لصفائه ، لتداعب صفحته نسمة ناعمة .. ويبدو القمر في جوفه قابعا ، ساكنا ، باسما .. لكنني كنت أفيق من هذه الأحلام فزعا .. يملأني الرهبة والخوف .. إلى أن كانت تلك الليلة الأخيرة .. التي راودني فيها هذا الحلم ، واقتحمتني هذه الأفكار .. رأيت القمر قابعا في جوف البحر .. ولكنه تحول هذه المرة إلى وجه أعرفه جيدا .. إنه وجهها هي .. عابسا .. مقطبا ترتسم عليه آيات الغضب جلية صارخة .. ترمقني بنظراتها الشرسة .. دب الخوف في قلبي .. وتحول حبها في هذه اللحظة إلى علامة استفهام كبيرة .. صرخت صرخة هائلة تسألني ..
ــ لماذا تسجنني في بحرك وأنا لا أنتمي إليك ؟ .. لماذا تغرقني في أعماقك وأنا لست لك ؟ .. لماذا تحاول امتلاكي وأنا لست من أملاكك ، ولن أكون ؟ ..


اعتصر الألم قلبي .. ضاقت نفسي .. أمطرت السماء دموعها من مآقيها الكثيرة .. ثار البحر ، وهاج وماج .. وارتفعت لجته كالطود الهائل .. ثم انهار ليذوب في أحضان البحر .. ويهدأ رويدا .. رويدا .. ثم يصفو .. ويصفوا إلى أن أصبح أديم أعماقه كالبللور النقي .. لم يعد وجهها موجودا .. فقد لفظه من الأعماق .. أحسست بعدها أنني برئت من مرض عُضال ....