المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اصل الامثال


الحب
03-25-2010, 04:49 PM
مثال الشعبية والأقوال السائرة هي مخزن الحكمة الشعبية التي تحوي خلاصة تجارب الشعوب، وهي لا تنبع من فراغ، بل تستند أحياناً إلى أصل تاريخي تم تحويره. وترجع الأمثال الشعبية في أحيان أخرى إلى حكايات مُتخيلة، كما أنها قد تُنسب إلى أشخاص بالذات؛ بعضهم تاريخي، وبعضهم أسطوري، أو قصصي.

وسوف نتناول بعض هذه الأمثال والأقوال والأصل التي تعزى إليه..


لا يُلْدَغ المؤمنُ من جُحْرٍ مرتين


اول من قال ذلك هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأبي عزة الجمحي


الشاعر، وذلك أنه أسر يوم بدر فقال: "يا محمد، إني رجل مُعِيل، وإنما خرجت معهم ليعطوني ما أعود به على عيالي".

فمنَّ عليه النبي صلى الله عليه بنفسه، وحذَّره من العودة لهجائه أو محاربته، فضمن ألا يكثر عليه أحدًا ولا جمعًا.

فلما كان يوم أحد، خرج فيمن يحرِّض الناس على محاربة المسلمين، وقد وقع أسيرًا ولم يُسْتَأْسَر في ذلك اليوم غير أبي عزة فقال: "يا محمد، عيالي.. مُنَّ عليَّ.. فإني حُمِلْتُ على الخروج إليك".

قال النبي عليه الصلاة والسلام: "لا يُلْدَغ المؤمنُ من جُحْرٍ مرتين"، ومعنى الكلام أن المؤمن فَطِنٌ لا يخدعه أحدٌ مرتين.

وعند جهينة الخبر اليقين




ضْرَب هذا المثل للتعرف على حقيقة الأمر ممن يملك هذه الحقيقة.

وأصله أن الحصين الغطفاني خرج ومعه رجل من جهينة يقال له الأخنس بن كعب، وكان كل منهما فتاكًا غادرًا، فوجدا رجلاً من بني لخم وأمامه طعام وشراب، فدعاهما فنزلا وأكلا وشربا معه.

ثم ذهب الأخنس لبعض شأنه ثم عاد ليجد الرجل اللخمي يتشحط في دمه، فقال للحصين: ويلك.. كيف فتكت بالرجل بعد أن تحرّمنا بطعامه وشرابه.

فقال الحصين: اقعد.. فقد خرجنا لمثل هذا، ثم شربا وتحدثا.

وكان الحصين يشاغله ليفتك به هو الآخر، ففطن الجهني لمراده.

وبعد ساعة قال له الحصين: يا أخا جهينة، هل أنت زاجر الطير.

فقال: وما ذاك؟

قال: ما تقول هذه العُقاب؟

أجاب: وأين تراها؟

قال: هي هذه، ورفع رأسه إلى السماء.

فوضع الجهني بادرة سيفه في نحره وقال: أنا الزاجر والناحر، واحتوى أسلابه وأسلاب اللخمي وانصرف، فمر بقوم من قيس وإذا بامرأة تبحث عن الحصين، فسألها من أنتِ؟ فقالت: أنا صخرة امرأة الحصين الغطفاني، فمضى وهو يقول:

تُسائل عن حصين كل ركب "وعند جُهَيْنَةَ الخَبَرُ اليقينُ



خفي حنين


معظمنا سمع عن خُفَّيْ حُنَيْن، فيُقال لمن لم يفز بشيء، ورجع بالخيبة والإخفاق، بأنه عاد بخفي حنين؛ فما هو أصل هذا المثل..؟!

يُقال: إنه كان يوجد ببلاد "الحيرة" إسكافي شهير اسمه "حنين".. ذات يوم دخل أعرابي إلى دكانه ليشترى خفين، وأخذ الأعرابي يساوم "حنينا" مساومة شديدة، ويغلظ له فى القول؛ حتى غضب حنين، ورفض أن يبيع الخفين للأعرابي؛ فاغتاظ الأعرابي، وسبّ "حنينا" سبًّا فاحشًا، ثم تركه وانصرف!!

صمم حنين على الانتقام من الأعرابي؛ فأخذ الخفين، وسبق الأعرابي من طريق مختصر، وألقى أحد الخفين فى الطريق، ومشى مسافة، ثم ألقى الخُفّ الآخر، واختبأ ليرى ما سيفعله الأعرابي..

فوجئ الأعرابي بالخف الأول على الأرض؛ فأمسكه، وقال لنفسه: "ما أشبه هذا الخُف بالخف الذي كنت أريد أن أشتريه من الملعون حنين، ولو كان معه الخف الآخر لأخذتهما.. لكن هذا وحده لا نفع فيه".

ثم رماه على الأرض ومضى في طريقه، فعثر على الخف الآخر؛ فندم لأنه لم يأخذ الأول، وعاد ليأخذه، وترك راحلته بلا حارس؛ فتسلل حنين إلى الراحلة وأخذها بما عليها، فلما عاد الأعرابي بالخفين لم يجد الراحلة، فرجع إلى قومه.

ولما سألوه: بماذا عدت من سفرك؟

أجاب: عدت بخفي حنين..‍‍!!



مسمار جحا


أما "مسمار جحا"؛ فهو لا يقل شهرة عن جحا نفسه.. وجحا شخصية هامة جدًّا في تاريخنا؛ إذ طالما كان اللسان المعبر عما نسميه الآن "الأغلبية الصامتة"، وهـو - بالقطع - يحتاج إلى وقفة مستقلة.

أما مسماره، فيُضرب به المثل فى اتخاذ الحجة الواهية للوصول إلى الهدف المراد ولو بالباطل.

وأصل الحكاية أن جحا كان يملك داراً، وأراد أن يبيعها دون أن يفرط فيها تماماً، فاشترط على المشتري أن يترك له مسماراً في حائط داخل المنزل، فوافق المشتري دون أن يلحظ الغرض الخبيث لجحا من وراء الشرط، لكنه فوجئ بعد أيام بجحا يدخل عليه البيت. فلما سأله عن سبب الزيارة أجاب جحا:

جئت لأطمئن على مسماري!!

فرحب به الرجل، وأجلسه، وأطعمه. لكن الزيارة طالت، والرجل يعانى حرجًا من طول وجود جحا، لكنه فوجئ بما هو أشد؛ إذ خلع جحا جبته وفرشها على الأرض وتهيأ للنوم، فلم يطق المشتري صبراً، وسأله:

ماذا تنوي أن تفعل يا جحا؟!

فأجاب جحا بهدوء:

سأنام في ظل مسماري!!

وتكرر هذا كثيراً.. وكان جحا يختار أوقات الطعام ليشارك الرجل في طعامه، فلم يستطع المشتري الاستمرار على هذا الوضع، وترك لجحا الدار بما فيها وهرب!!



جَوِّعْ كَلْبَكَ يَتْبَعْك




هذا المثل يُضرَب في معاشرة اللئام، وما ينبغي أن يعاملوا به.

وأول من قال ذلك ملكٌ من ملوك حِمْيَر، كان عنيفًا على أهل مملكته يغصبهم أموالهم ويسلبهم ما في أيديهم، وكانت امرأته سمعت أصوات السُّؤَّال، فقالت: "إني لأرحم هؤلاء لما يلقون من الجَهد ونحن في العيش الرغد، إني لأخاف عليك أن يصيروا سباعًا وقد كانوا لنا أتباعًا".

فردّ عليها: "جَوِّعْ كَلْبَكَ يَتْبَعْك" وأرسلها مثلاً.

فلبث بذلك زمانًا ثم أغزاهم فغنموا ولم يقسم فيهم شيئًا، فلما خرجوا من عنده قالوا لأخيه وهو أميرهم: "قد ترى ما نحن فيه من الجَهد، ونحن نكره خروج المُلْكِ منكم أهل البيت إلى غيركم، فساعِدْنا على قتْلِ أخيك واجلس مكانه"، وكان قد عرف ظلمه، فأجابهم إلى ذلك، فوثبوا عليه فقتلوه، فمرَّ به عامر بن جذيمة وهو مقتول وقد سمع بقوله: "جَوِّعْ كَلْبَكَ يَتْبَعْك" فقال: "ربما أكل الكلب مؤدبه إذا لم ينل شِبَعَه، جَوِّعْ كَلْبَكَ يَأْكُلْك" فأرسلها مثلاً



الحديثُ ذو شُجُون





يُضْرَب هذا المثل في الحديث يذكر بغيره من الأحاديث، وذو شجون يعني ذا طرق، وقد نظم الشيخ أبو بكر علي بن الحسين هذا المثل ومثلاً أخر، في بيت واحد يقول:

تَذَكَّرَ نَجْدًا والحديثُ شجونُ فحنَّ اشتياقًا والجنونُ فنونُ

وأول من قال هذا المثل ضبة من بني مضر، وكان له ابنان اسم أحدهما سعد والآخر سعيد، وقد وجههما لرد إبل له ضلت في الصحراء، فتفرقا ووجدها سعد فردها، ومضى سعيد في طلبها فلقيه الحارث بن كعب فقتله وأخذ برديه.

فكان ضبة إذا أمسى ورأى في الليل سوادًا قال: سعداً أم سعيدًا؟ فذهبت مثلاً.


ثم ذهب مكة إلى الحج فلقي الحارث بن كعب وعليه بردا ابنه سعيد فسأله عنهما، فقال: "لقيت غلامًا سألته إياهما فأبى فقتلته وأخذتهما".

فقال ضبة: "بسيفك هذا؟" قال: "نعم"، فقال: "أرنيه أنظر إليه؟" فأعطاه الحارث السيف فلما أخذه هزه، وقال: "الحديثُ ذو شجون"، ثم ضربه به فقتله، فقيل له: "يا ضبة، أفي الشهر الحرام؟" قال: " "سبق السيفُ العَذَلَ؟ فهو أول من قال هذه الأمثال الثلاثة.