هل تصدقين
هل تصدقين ؟ .. لم أسمع صوتك الذي أرجح أنه عزب رقراق ينساب في رقة .. كما تنساب الأنغام الناعمة من قيثارة المحب الولهان .. لم أر سوى عينيك النجلاوين بسوادهما القاني كالليل البهيم .. حتى بت أعشق الليل وأهيم في سكونه .. وبياض عينيك الناصع كسحابات الربيع والصيف .. حتى أصبحت أبحلق سابحا مع كل سحابة تمر فوق ربيع أيامي .. لم أر سوى وجهك الصبوح .. ربما تتعجبين من جرأتي البالغة .. أو لنقل تصرفي الغريب الغير متوقع .. بإرسالي هذه الرسالة لك .. والتي أرجو أن تحقق أهدافها .. وتنجز مهمتها بنجاح .. ففيها نبضي الذي أحيا به .. وإحساسي الذي أفضته على الورق .. ليعبر عن ذاتي ووجداني .. أعترف صراحة أنها أول رسالة في حياتي أخطها لإنسان .. فكم كان بغيض على نفسي أن أبعث بخطاب إلي فتاة أعري فيها ذاتي .. وأكشف عن هويتي .. وأسراري المدفونة في أعماقي .. وكأنني سأفقد بعضا من كرامتي .. أو رجولتي .. أو أريق بعضا من عزتي وهيبتي تحت الأقدام .. لا أدري .. ولكن كل ما أدريه أنني كنت أبغض إرسال رسالة .. لأي مخلوق على وجه الأرض .. ولكنني الآن .. وبعد أن اعتملت في نفسي مشاعر .. وهامت في روحي أحاسيس وترانيم العشق والهيام والوجد .. وتصارعت في وجداني حوارات وتناقضات في نقاش حاد .. وجدل شديد التنافر والتضارب .. اندلعت في أعماقي وأغواري ثورة عارمة على أفكاري واعتقاداتي التي ظللت مؤمنا بها .. متحيزا لها .. متمسكا وممسكا بتلابيبها .. لا أحيد عنها أبدا .. وأقولها صريحة .. أن هذا الصراع والجدل والتناقض والرفض والتنافر والتضارب لم ينشأ في داخلي إلا بعد أن رأيتك .. بجمالك الأخاذ .. وطلعتك البهية .. وحسنك الفتان .. كنت أراكِ للمرة الأولى .. رغم أنك كنتِ أمامي طول الوقت أو معظمه .. كنت قريبة جدا مني . ولكن كأنك كنت على أميال وفراسخ .. بعيدة بعيدة .. لم أكن أراكِ إلا كباقي الأشياء المحيطة .. والوجوه المألوفة .. أما الآن فأنت أقرب إلىّ من روحي التي أحيا بها .. وألصق إلىّ من جلدي الذي أشعر به .. أقرب مما تتصورين .. هل يضايقك أن أعترف بذلك ؟ .. هل يغضبك أن أصارحك وأبوح لك ببعض مما أخفيه في صدري ؟ .
ربما تتظاهرين ببعض الكبرياء .. ربما تظهرين بعض الغضب أو كله .. ربما تمزقين هذا الخطاب أمام ناظري .. نكاية أو انتقاما لجرأتي تظاهرا بالتمنع وأنت راغبة .. ربما أريتي الخطاب لهذا وذاك تشهيرا بي .. واتهامي بالجنون والنزق والتطاول على حريات الآخرين .. ولكنني في النهاية سأكون سعيدا .. راضيا عن نفسي .. على الأقل سأكون مرتاح البال .. ناعم السريرة .. قرير العين .. لأني بثثت خطابي هذا بعض الصدق أو معظمه .. وبعض الصراحة أو أغلبها .. وبعض الحرية أو أكثرها .
............... أرجو أن تكوني قد فهمتِ ما أقصده .